سورة السجدة - تفسير تفسير ابن عطية

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (السجدة)


        


قرأ الناس {في مِرية} بكسر الميم، وقرأ الحسن بضمها، واختلف المتأولون في الضمير الذي في {لقائه} على من يعود؛ فقال أبو العالية الرياحي وقتادة: يعود على موسى، والمعنى لا تكن في شك من أن تلقى موسى، أي في ليلة الإسراء، وهذا قول جماعة من السلف، وقاله المبرد حين امتحن ابا إسحاق الزجاج بهذه المسألة، وقالت فرقة الضمير عائد على {الكتاب} أي أنه لقي موسى حين لقيه موسى، والمصدر في هذا التأويل يصح أن يكون مضافاً للفاعل بمعنى لقي الكتاب موسى، ويصح أن يكون مضافاً إلى المفعول بمعنى لقي الكتابَ- بالنصب- موسى، وقال الحسن الضمير عائد على ما يتضمنه القول من الشدة والمحنة التي لقي موسى، وذلك أن إخباره بأنه آتى موسى الكتاب كأنه قال: {ولقد آتينا موسى} هذا العبء الذي أنت بسبيله فلا تمتر أنك تلقى ما لقي هو من المحنة بالناس، وكأن الآية تسلية لمحمد صلى الله عليه وسلم، وقالت فرقة معناه فلا تكن في شك من لقائه في الآخرة.
قال الفقيه الإمام القاضي: وهذا قول ضعيف، وقالت فرقة الضمير العائد على {ملك الموت} [السجدة: 11] الذي تقدم ذكره، وقوله {فلا تكن في مرية من لقائه} اعتراض بين الكلامين.
قال القاضي أبو محمد: وهذا أيضاً ضعيف، والمرية الشك، والضمير في {جعلناه} يحتمل أن يعود على موسى، وهو قول قتادة، ويحتمل أن يعود على {الكتاب} و{أئمة} جمع إمام وهو الذي يقتدى به وأصله خيط البناء وجمهور النحويين على أئمة بياء وتخفيف الهمزة، إلا ابن أبي إسحاق فإنه جوز اجتماع الهمزتين وقرأ {أئمة} وقرأ جمهور القراء {لَمَّا صبروا} بفتح اللام وشد الميم، وقرأ حمزة والكسائي {لِما} بكسر اللام وتخفيف الميم وهي قراءة ابن مسعود وطلحة والأعمش، فالأولى في معنى الظرف والثانية كأنه قال لأجل صبرهم، ف ما مصدرية، وفي القراءتين معنىلمجازاة أي جعلهم أئمة جزاء على صبرهم عن الدنيا وكونهم موقنين بآيات الله وأوامره وجميع ما تورده الشريعة، وقرأ ابن مسعود {بما صبروا}. وقوله تعالى: {إن ربك} الآية، حكم يعم جميع الخلق، وذهب بعض المتأولين إلى تخصيص الضمير وذلك ضعيف.


{يهد} معناه يبين قاله ابن عباس، وقرأ جمهور الناس {يهد} بالياء فالفاعل الله تعالى في قول فرقة والرسول في قول فرقة، كأنه قال أو لم يبين لهم الهدى، وجوز الكوفيون أن يكون الفاعل {كم}، ولا يجوز ذلك عند البصريين لأنها في الخبر على حكمها في الاستفهام في أنها لا يعمل فيها ما قبلها، وقرأ أبو عبد الرحمن {نهد} بالنون وهي قراءة الحسن وقتادة، فالفاعل الله تعالى، و{كم} في موضع نصب، فعند الكوفيين بـ نهد وعند البصريين ب {أهلكنا}، على القراءتين جميعاً، وقرأ جمهور الناس {يَمشون} بفتح الياء وتخفيف الشين، وقرأ ابن السميفع اليماني {يُمَشّون} بضم الياء وفتح الميم وشد الشين، وقرأ عيسى بن عمر {يُمْشُون} بضم الياء وسكون الميم وشين مضمومة مخففة، والضمير في {يمشون} يحتمل أن يكون للمخاطبين بالتنبيه المحتج عليهم، ويحتمل أن يكون للمهلكين ف {يمشون} في موضع الحال، أي أهلكوا وهم ماشون في مساكنهم، والضمير في {يسمعون} للمنبهين، ومعنى هذه الآية إقامة الحجة على الكفرة بالأمم السالفة الذين كفروا فأهلكوا، ثم أقام عز وجل الحجة عليهم في معنى الإيمان بالقدرة وبالبعث بأن نبههم على إحياء الأرض الموات بالماء والنبات، والسوق هو بالسحاب، وإن كان سوق بنهر فأصله من السحاب و{الجرز} الأرض العاطشة التي قد أكلت نباتها من العطش والغيظ، ومنه قيل للأكول جروز. قال الشاعر:
خب جروز وإذا جاع بكى *** ومن عبر عنها بأنها الأرض التي لا تنبت فإنها عبارة غير مخلصة، وعم تعالى كل أرض هي بهذه الصفة لأن الآية فيها والعبرة بينة، وقال ابن عباس أيضاً وغيره {الأرض الجرز} أرض أبين من اليمن، وهي أرض تشرب بسيول لا بمطر، وجمهور الناس على ضم الراء، وقال الزجاج وتقرأ {الجرْز} بسكون الراء، ثم خص تعالى الزرع بالذكر تشريفاً ولأنه عظم ما يقصد من النبات، وإلا فعرف أكل الأنعام إنما هو من غير الزرع، لكنه أوقع الزرع موقع النبات على العموم، ثم فصل ذلك بأكل الأنعام وبني آدم، وقرأ أبو بكر بن عياش وأبو حيوة {يأكل} بالياء من تحت، وقرأ ابن مسعود {يبصرون}، وقرأ جمهور الناس {تبصرون} بالتاء من فوق، ثم حكي عن الكفرة أنهم يستفتحون ويستعجلون فصل القضاء بينهم وبين الرسول على معنى الهزء والتكذيب، و{الفتح} الحكم هذا قول جماعة من المفسرين، وهذا أقوى الأقوال، وقالت فرقة الإشارة إلى فتح مكة.
قال القاضي أبو محمد: وهذا ضعيف يرده الإخبار بأن الكفرة لا ينفعهم الإيمان، فلم يبق إلا أن يكون {الفتح} إلا إما حكم الآخرة، وهذا قول مجاهد، وإما فصل في الدنيا كبدر ونحوها. وقوله تعالى: {قل يوم الفتح} إشارة إلى {الفتح} الأول حسب محتملاته، فالألف واللام في {الفتح} الثاني للعهد، و{يوم} ظرف، والعامل فيه {ينفع}، و{ينظرون} معناه يؤخرون، ثم أمره تعالى بالإعراض عن الكفار وانتظار الفرج، وهذا مما نسخته آية السيف. وقوله تعالى: {إنهم منتظرون} أي العذاب، بمعنى هذا حكمهم وإن كانوا لا يشعرون، وقرأ محمد بن السميفع {منتظَرون} بفتح الظاء أي للعذاب النازل بهم.

1 | 2 | 3